يكون البناء النفسي للإنسان في أضعف حالاته، حين يمر بتجربة أو خبرة مؤلمة، أصيب فيها بمرض، أو فقد فيها عزيزا على نفسه، أو وقع عليه ظلم وجور عجز عن دفعه، أو فقد خلالها تجارته وماله، أو تعسر في سداد ما عليه من ديون، أو غير ذلك من أصناف البلاء التي لا يخلو منها أي إنسان..
وفي هذه اللحظات العصيبة يكون الإنسان في أشد الحاجة إلى من يمد له يد العون، ليخفف عنه ما يعانيه من آلام وأوجاع، وحين تمتد يد بالعون والدعم في هذه الأوقات الحرجة، فإنها تعقد في قلب المبتلى عقدة حب، يظل رباطها معقودا لا ينفك أبدا.
وهذا ما نشاهده في واقعنا الذي نحياه، فحين نبحث عن أقرب الناس إلى نفوسنا ومن نحتفظ لهم بمكانة متميزة في قلوبنا، فسنجد أنهم من كانوا عونا وسندا لنا في أزماتنا وكرباتنا.
¤ حــب كبير:
وهذه المعادلة تنطبق بالطبع على العلاقة بين الأزواج والزوجات، فحين تساند الزوجة زوجها في أزماته، وحين يدعم الزوج زوجته في معاناتها، فإنهما يصنعان حبا لا تنفصم علائقه، ولا يشوبه كدر.
ولعل ذلك ما يكشف لنا سر الحب العميق الذي كان يكنه النبي صلى الله عليه وسلم لزوجه السيدة خديجة رضي الله عنها، والذي كان يعبر عنه بالإكثار من ذكرها والثناء عليها، وبحرصه صلى الله عليه وسلم على إهداء أصدقائها والترحاب بهن بعد وفاتها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، قالت: فغرت يومًا فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق -كبيرة السن- قد أبدلك الله خيرًا منها. قال: «مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ» رواه أحمد.
هكذا يعلل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحب الكبير للسيدة خديجة، بأنها كانت تسانده في أزماته، وتبذل كل ما في وسعها للتخفيف عنه.
¤ زوجــة وفيــة:
وها هي زوجة الصحابي الجليل هلال بن أمية رضي الله عنهما تقف بجوار زوجها، وتصبره وتسانده، حينما عاش أزمة التخلف عن غزوة تبوك وما تبع ذلك من مقاطعة المسلمين له ولباقي الثلاثة الذين خلفوا، فنراها رضي الله عنها حين تزداد شدة الأزمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجات المخلفين بإعتزال أزواجهن، تصرُّ هي على أن تظل بجوار زوجها في محنته.
فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتستأذنه في أن تظل بجوار زوجها الذي أصابه المرض بالإضافة لأزمته الحالية، فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا وَلَكِنْ لا يَقْرَبْكِ» قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه، رواه البخاري.
وظلت هكذا بجوار زوجها ترعاه وتخدمه وتخفف عنه، حتى أتى فرج الله بالعفو عنه وعن إخوانه من المخلفين.
وهكذا ينبغي أن يكون كل زوجين، يواسي كل منهما الآخر في أزماته بكل ما يستطيع من كلمات، أو تطييب للخاطر، أو مساندة بالمال أو الجهد، أو غير ذلك من أشكال المساندة حتى يكون حبهما كحب النبي صلى الله عليه وسلم لزوجه خديجة رضي الله عنها.
المصدر: همسات.